مجلة حكمة
لتجنب الأمراض، ولطيلة العمر: لا تأخذ هاتفك إلى السرير - روني جاكبسن / ترجمة: سارة السويري

لتجنب الأمراض، ولطيلة العمر: لا تأخذ هاتفك إلى السرير – روني جاكبسن / ترجمة: سارة السويري

 كان يونق أحد العلماء الثلاثة الذين اكتشفوا الآلية الجزيئية للنظم اليوماوي، الذي يتحكم بالساعة البيولوجية التي تنظم النوم وسلوكيات تناول الطعام وعملية الأيض.


أمضت امرأة بعمر السادسة والأربعين، لديها تاريخ مع اضطرابات النوم، أسبوعين في غرفة خالية من الساعات والنوافذ والتلفاز والإنترنت — وذلك لمنعها من معرفة كم مر من الوقت. وقد ساعدت هذه المحنة التي قد تتسبب بالجنون (حظي الأشخاص المشاركون بجلسات مع اخصائيين نفسيين خلالها) العلماء بتحديد ما يسمى بجين البومة، وهو طفرة جينية تسمى CRY1 وتساعد في التحكم بالنظم اليوماوي، والنظم اليوماوي هو دورة الأربع وعشرين ساعة للنوم/الاستيقاظ الموجودة في جميع أشكال الحياة على الأرض.

التجربة التي نُشرِت في أبريل مبنية على عمل جيفري سي. هال ومايكل روزباش ومايكل دبليو. يونق، العلماء الثلاثة الذين ربحوا جائزة نوبل لهذا العام في الفسيولوجي والطب على العمل الذي بدأوه منذ مايتجاوز الثلاثين عامًا. فقد عاموا بعزل الجين الرئيسي الذي يتحكم بالنظم اليوماوي في ذباب الفاكهة، والذي سموه بجين الدورة “Period/Per”، وقد تم بعدها إيجاد هذا الجين في جميع الثدييات.

عالم أحياء جامعة روكيفيلر مايكل يونق يقف في مختبره بعد فوزه بجائزة نوبل للطب في نيويورك، الثاني من أكتوبر 2017.
عالم أحياء جامعة روكيفيلر مايكل يونق يقف في مختبره بعد فوزه بجائزة نوبل للطب في نيويورك، الثاني من أكتوبر 2017.

وفقًا للبحث، فالطفرة الجينية في CRY1 تبطئ ساعتنا الداخلية، وتتسبب بمتلازمة تأخر مرحلة النوم. فبينما ينام الأشخاص الذين يتمتعون بنوم طبيعي في حوالي منتصف الليل ويستيقظون في حوالي الساعة السابعة أو الثامنة صباحًا، ينام الأشخاص المصابون بمتلازمة تأخر مرحلة النوم بعدهم بثلاث إلى أربع ساعات ويستيقظون في حوالي الساعة الحادية عشر صباحًا إلى الظهيرة. وعواقب هذا لا تقتصر على النوم.

جائزة نوبل والبحث المستمر يبينان مدى التقدم الذي توصلت إليه بحوثات النوم: فلعدة عقود، أهمل مجتمع الطب هذه البحوثات، رغم أن النوم أو انعدامه بمعنىً أدق، يسبب الأمراض ويكلف المجتمع مليارات الدولارات، وهذا ما لاحظته مقالة في مجلة نيويوركر. فلا يحصل أربعة وسبعون مليون بالغ في الولايات المتحدة على النوم المجدد للنشاط ليلًا، وتكلّف الإصابات في مكان العمل وانخفاض الإنتاجية الناجمة عن الحرمان من النوم الولايات المتحدة ماتقدر قيمته بالمليارات سنويًا، كما يتسبب السائقون المرهقون بعشرين في المئة من نسبة حوادث السيارات التي يبلغ عددها أكثر من مليون حادث سنوي.

وقالت ألينا باتكي، باحثة معاونة في جامعة روكيفيلر والكاتبة الرئيسية لبحث بومة الليل التي أجريت في مختبر يونق “بالطبع هناك علاقة بين أنماط النوم المتأخر هذه وعدد من الأمراض الثانوية، لكننا لا نفهمها كلها. إن الأشخاص الذين لديهم تفضيل لهذه السمة الزمانية، سلوك بومة الليل هذا” يميلون لتحقيق مستويات أعلى في الاكتئاب، كما ويكونون أكثر عرضة للإصابة بحالات صحية خطيرة أخرى مثل أمراض القلب والسكري والسمنة.

ورغم أن بحث باتكي أكد مسؤولية الحالة الوراثية، إلا أنها قالت أن إمضاء الوقت على الشاشات في السرير والمُنشطات البصرية الأخرى “قد يزيد الأمر سوءًا بكل تأكيد.”

لا يتأثر جين CRY1 بالتعرض للضوء لدى البشر، فبومات الليل سيظلون على حالهم مهما حصل، ولكن الشاشات في وقت متأخر تزيد من حدة الحالة. وقالت باتكي “قد يكون لدى الشخص نزعة طبيعية للسهر ولكنها ستزداد حدة إن بقي أمام شاشة ساطعة حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل. سيؤثر هذا سلبًا على الجميع، ولكنه سيؤثر خاصةً على من يعانون من متلازمة تأخر مرحلة النوم.”

 

Universal Images Group

باستثناء الالتزام بعادات النوم الصحية، بما فيها إطفاء الشاشات قبل النوم، فلا يوجد العديد من الخيارات لعلاج متلازمة تأخر مرحلة النوم رغم أن العلماء قد بدأوا بتجربة طرق علاج جديدة من خلال استهداف الساعة البيولوجية لعلاج اضطرابات النوم والحالات الصحية المرتبطة بها.

بالنسبة للأشخاص المهتمين بمعرفة إن كان الجين المسيطر لديهم هو جين بومة الليل، فلا يوجد أي طريقة حاليًا عدا الذهاب إلى مختبر خاص. وأكدّت باتكي أن مختبرها لا يقوم بهذا النوع من الفحوصات (حيث وردهم تساؤلات) وسيكون القيام بها أمر غير قانوني بدون الترخيص اللازم للفحوصات التجارية.

أما بالنسبة لخدمة فحص الحمض النووي التجارية بالبريد 23andMe فهي لا تقوم بالفحوصات التي تتضمن تنوعات هذا الجين؛ ولذلك لن يظهر في فحوصاتها.

مع ذلك تؤكد باتكي أنه ليس بالضرورة أن يكون لدى المريض طفرة جينية فيCRY1  ليصاب باضطرابات النوم بما في ذلك متلازمة تأخر مرحلة النوم، حيث أن باتكي نفسها بومة ليل لكن عندما فحصت حمضها النووي وجدت أن الطفرة الجينية غير موجودة لديها. ورغم هذا فهي تطابق المواصفات وتعتقد أنه من الوارد إصابتها باضطراب نوم سيُكتشف مستقبلًا ارتباطه بجينات معينة. كما قالت “إننا نبحث عن خصائص جينية أخرى” لمتلازمة تأخر مرحلة النوم.

“بالطبع جين CRY1  واحد منها، ولكن سيكون هناك المزيد…إن فهمتَ الآلية، فقد يمكنك البدأ بالتدخل المباشر فيها بالاتجاه الذي نريده. إننا نريد الاستمرار بإجراء الفحوصات على الناس لنكتشف المسببات.”

يبحث العلماء عن توقيع جيني في اضطرابات النوم الأخرى، كالأرق والتغفيق (مرض النوم القهري)، والتي تصيب مايُقدّر بخمسين إلى سبعين مليون أمريكي. فعلى سبيل المثال، انقطاع النفس الانسدادي النومي -الذي ينسد فيه مجرى التنفس خلال النوم- منتشر في الولايات المتحدة بقدر انتشار الأمراض العقلية ويؤثر بملايين الناس.

 

التدخلات الصيدلانية

يتناول حوالي تسعة ملايين، أو شخص واحد من كل خمسة وعشرين أمريكي، عقاقير نوم بوصفة طبية وقد أنفقوا 41 مليار دولار على الأدوية المساعدة للنوم في 2015، ومن المتوقع أن تصل أرباح هذا القطاع إلى 52 مليار دولار بحلول عام 2020.

تعمل عقاقير النوم المعتادة، بما فيها الأمبيان واللونستا، عن طريق استهداف النواقل العصبية والمشابك العصبية في المخ، إما عن طريق تحسين تأثير النواقل العصبية المهدئة أو عن طريق تقليل تأثير النواقل العصبية التي تتسبب باليقظة.

ورغم أن هذه الأدوية فعالة مع العديد من الناس، إلا أن البعض وخاصةُ الأشخاص المصابين بأمراض مستعصية كالأرق ومتلازمة تأخر مرحلة النوم لا يستجيبون بنفس المستوى، وأحيانًا لا يكون هناك استجابة على الإطلاق لعقاقير النوم الموصوفة طبيًا والتي بالعادة تميل للتسبب بالإدمان.

حاليًا تقوم شركتين فقط – عملاقة الصيدلةMerck  وشركة ناشئة في التقنية الحيوية اسمها Reset Therapeutics – بالاستكشاف في مجال المركبات العلاجية المحتملة والتي تستهدف الجينات المتحكمة بالساعة البيولوجية.

لكن بدلًا من إنتاج عقاقير للنوم، تركز الشركتان رئيسيًا على تطوير الأدوية للأمراض الخطيرة الثانوية المرتبطة باضطراباته.

“نفس الآلية التي تحرّك النظم اليوماوي تتواجد في جميع خلايا جسمك تقريبًا.” وضّح روس بيرست، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة Reset Therapeutics التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرًا لها، والتي طورت مركبات دوائية بهدف علاج السكري ومرض الكبد الدهني اللاكحولي والالتهاب الكبدي واضطرابات أيضية أخرى من خلال استهداف CRY1 وجينات أخرى تتحكم بدورة النوم/الاستيقاظ.

وقالت باتكي “يلعب جين CRY1 عدة أدوار خارج الساعة اليومية.” حيث أن لموعد خلودنا للنوم واستيقاظنا أثر متعاقب على بقية ساعات الجسم، فتتغير مستويات الهرمونات خلال اليوم وبهذا تؤثر بموعد إفراز الكبد لإنزيمات معينة، مما يؤثر بتوقيت الشعور بالجوع وحساسية الجلوكوز وحساسية الأنسولين وعوامل أخرى قد تسهم في تطور الأمراض.

وأضافت “تتواجد الساعات في كل عضو وكل نسيج في جسدك، ولكنها ليست جميعها متوافقة؛ ففي الجسد المتزامن بشكل طبيعي، قد يعمل الدماغ بتوقيت نيويورك، والكبد بتوقيت باريس، أما الرئتان فبتوقيت بكين.”

تشق شركة Reset Therapeutics الآن طريقها في مرحلة التجارب السريرية للتحديد ما إذا كانت العقاقير آمنة للاستخدام البشري. كما أجريت دراسات سابقة على الحيوانات، صُممت فيها المركبات الجزيئية لتأخير التحلل البروتيني ووُجد أنها تقلل من مقاومة الأنسولين لدى الفئران، كما وأنها أعادت درجة حرارة الجسد الطبيعية التي تخرج عن المعدل الطبيعي في حالة مرض السكري.

استراتيجية الشركة مبنية على بحث لجوزيف إس. تاكاهاشي، رئيس قسم العلوم الأعصاب في جامعة جنوب غرب تكساس الطبية، وهو رائد آخر في مجال الجينات اليومية وعضو في مجلس الشركة الاستشاري.

من المهم الإشارة إلى أنه حتى وإن سار كل شيء بسلاسة (وهذا أمر في غاية الندرة في التجارب السريرية) فإن الشركة لا زالت على بعد سنوات من الحصول على الموافقة من إدارة الأغذية والعقاقير وبيع الدواء في السوق.

كما تطور الشركة أيضًا عقارًا للأرق يستهدف جينات الساعة البيولوجية الأخرى غير CRY1 لكنه لا زال في مرحلة الاختبارات المبدئية.

 

***

 

“إن كان الأمر ممكنًا ومتوافقًا مع نمط حياتك وضغوطات حياتك اليومية، فمن الأفضل لك أن تنام حسب ساعتك البيولوجية.”

– ألينا باتكي، باحثة معاونة في مختبر جامعة روكيفيلر التي فاز باحثها مايكل يونق بجائزة نوبل.

من الخيارات الأخرى المتاحة حاليًا الميلاتونين، وهو “هرمون الظلام” المرتبط بالنوم لدى البشر والذي يتواجد أيضًا لدى الحيوانات الليلية. فقد بينت الدراسات آثاره المعتدلة في تحسين النوم لدى المصابين باضطراب الرحلات الجوية الطويلة وموظفين النوبات المسائية، لكن الآثار لم تظهر في حالات الأرق واضطرابات النوم الأخرى. وتتراوح آثار الهرمون المتوفر بدون وصفة؛ حيث أن كل جسم يحلله بطريقة مختلفة.

على الأشخاص المشتبهين بإصابتهم بمتلازمة تأخر مرحلة النوم، وغالبية الناس، تجنب الشاشات في وقت متأخر والتدرب على عادات النوم الصحية عامةً، ومنها:

تجنب الكافيين قبل وقت النوم وإطفاء الإلكترونيات وتجنب البقاء في السرير صباحًا.

أيضًا تجنب الأكل متأخرًا والحفاظ على جدول للوجبات، حيث قالت باتكي أن “الساعات” في الكبد وبقية أجزاء الجهاز الهضمي ذات أثر متبادل على دورة النوم/الاستيقاظ.

 

الطب ليس الحل الوحيد

لا يعيش أغلب المصابين بمتلازمة تأخر مرحلة النوم حياتهم وفقًا لساعاتهم الداخلية بسبب عوائق حياتهم اليومية والعمل والدراسة مما قد يتسبب في عدم حصولهم على القدر الكافي من النوم.

وقالت باتكي “إن كان الأمر ممكنًا ومتوافقًا مع نمط حياتك وضغوطات حياتك اليومية، فمن الأفضل لك أن تنام حسب ساعتك البيولوجية.”

بل وإن إجبار نفسك على الانصياع للمجتمع قد يكون جزءًا كبيرًا مما بتسبب في هذه المشاكل من الأساس. لذلك تقترح مراكز مكافحة الأمراض واتقائها بدء المدارس في وقت متأخر، حيث وُجد أن ذلك يحسن من الأداء الأكاديمي وجودة الحياة والصحة البدنية للمراهقين الذين يحتاجون إلى النوم بكمية أكبر من احتياج البالغين والأطفال الأصغر سنًا، وقد تعيق أوقات بدء الدراسة المبكرة نجاحهم.

يقترح عدة علماء، من ضمنهم باتكي، أن الحل ليس متروكًا تمامًا للطب بل هو اجتماعي، حيث يحتاج المدراء والمدارس لتوفير أوقات بدء أكثر مرونة – وهي فكرة بدأ البعض في العالم الوظيفي بتقبلها.

وقال بيل ديفس، نائب رئيس العمليات في Circadian التي تتخذ بوسطن مقرًا لها وتعلن عن نفسها كشركة استشارية “للعوامل البشرية” أن الشركات -خاصة التي تعمل على مدار الساعة في قطاعات محفوفة بالمخاطر- تقوم بالتعديلات على جداولها بناءً على عوامل النوم.حيث غيرت شركة ناقلة للمواد الخطرة جدولها بناءً على نموذج إجهاد أحيائي-رياضي وقللت بذلك معدلات الحوادث والتكاليف.

وقال ديفيد “هناك طلب كبير على توفير التثقيف عن الإجهاد والحصول على نوم أفضل، بالإضافة لتصميم جداول توفر قسط كافي من النوم والراحة.” لن تتوقف الحياة، فسيستمر المجتمع وسيأخذ الأشخاص الذين يستيقظون صباحًا النوبات الصباحية.

ولكن سيستطيع بهذا، العشرة بالمئة من السكان المصابين بمتلازمة تأخر مرحلة النوم واضطرابات النوم الأخرى، بذل أفضل مابجهدهم ، حتى وإن فشلت آخر التقدمات والبحوثات في جينات النوم في صنع عقاقير ناجحة في تسهيل النوم.